-->
Ra'ed Al-khawaldeh Art Ra'ed Al-khawaldeh Art

الزهور ... في عالم الفن والوجدان

 


الزهور ...  في عالم الفن والوجدان 


من المعروف في علم الجمال أن الفنان لا يقنع بما يراه في

الطبيعة ، بل يحاول ابتکار نوع آخر من الجمال يصور به

خياله و مشاعره ، بشكل يوقظ في أنفسنا الشعور باللذة ، أو

الارتياح بتذوق بلاغة التعبير عن معان جمالية يمكن إدراكها

وفهمها .




والفرق بين جمال الفن و جمال الطبيعة ، كالفرق بين

القلب والعقل ، أو العاطفة والمنطق ، أو بين الحب

والحكمة ... ومن هذه الفروق نستطيع أن ندرك ما هي

مقومات الفن وأهدافه ، ونستطيع أن نتصور الفنان 

يرنو إلى باقة من الأزهار الطبيعية .. ويسبح في أطياف

الألوان العبقرية .. ثم يصوغها في لوحة تفيض بمعاني الجمال

والألفة والشاعرية . وإذا كانت دعائم الفن هي الجمال

والعاطفة والحب .. فما أحرانا أن نراها مجتمعة في خمائل

الزهور يانعة رقيقة كلمات مرهفة حانية أبدعتها يد الخالق

عز وجل ! ولا غرو أن نرى معظم الفنانين - بل جميعهم -

لا تخلو أعمالهم من رسم الزهور ، حتى إن كثير من الدول ،

تقيم لها العروض الخاصة ، سواء أكانت مهرجانات للزهور

الطبيعية أو معارض فنية للوحات الفنانين ..

ولعل أكبر هذه المهرجانات العالمية هو ما يقام - سنويا

- بفرنسا على مساحة تبلغ خمسة وثلاثين هکتارة ، ويزوره

أكثر من مليون مشاهد من مختلف أنحاء المعمورة ..

.. وقد بلغ من حب الشعب للزهور أن بلغ الإنفاق

السنوي على شرائها خمسة مليارات فرنك ! إنه حب الفن

وتذوقه الذي يهذب الوجدان ويفتح البصائر على آیات

الجمال !

الزهور في اليابان


لوحة فان جوخ - رسمها عام 1888


*الزهور في اليابان لغة العواطف والتفاهم ،  وما أكثر

ما قرأت قبلها عن الفن الياباني وعشقه الدائم للزهور ..

فالزهرة في لوحات اليابانيين هي قاسم مشترك وعنصر

أساسي ، ولا غرو أن تكون زهرة ( الشری ) رمزا

البلادهم ! وإذا كان الفن الياباني قد اتخذ طابعه الکلاسیکی

الشهير من حيث ( التكنيك ) رمزا للأصالة والعراقة ، فقد

اتخذ الزهرة طابعا للرومانسية وحب الجمال ! كانت زياراتنا

المتلاحقة للمتنزهات الشاسعة عبارة عن بحث في متحف

طبيعي للزهور. و يحلو للمواطن الياباني - أيا كانت ثقافته -

أن يحدثك عن زهرة بعينها وكأنه متخصص في علم

النبات .. وإذا ما اضطرتك الظروف أن تطأ بقدمك إحدى

الزهرات - حتى لو كانت وليدة صغيرة - تأوه الياباني ألما

وكأنك تدوس على رئتيه ! وبكل الحب والأدب يحاول أن

يقيم الزهرة مرة أخرى ويربت عليها في مناجاة صامتة . وإذا

ما طاب التنزه والمرح .. سار اليابانيون في جماعات يشدون

بنشيدهم الوطني : ساکورا ساكورا .. وما هذه

( الساكورا ) إلا تلك الزهرة البيضاء الجميلة التي لا يخلو من

أشجارها مكان في اليابان ! والناس هناك يعشقون الزهور

بدرجة جنونية ، لا يصل إليها أي شعب في العالم . فالزهرة

تساوي عند الرجل الياباني ولدأ من أولاده ، تجدها في كل

حجرات بیته ، وفي الشرفات والنوافذ ، وفي حدائق معلقة

فوق أسطح المنازل ، و في مكاتب العمل وفي ردهات المباني

العامة .. وفي كل حياتهم !

والياباني يمتلك عشرات الأنواع من الزهور في حديقة

بيته ، يقضي معها أمتع الأوقات في تأملها ورعايتها

و تنسيقها . وأذكر أنني كنت في زيارة لأحد المعارف

اليابانيين في مدينة : ( ناجويا ) ، تلك المدينة الدينية

العريقة ، وعندما دلفنا من باب الحديقة إلى الممر الموصل إلى

داخل البيت ، فوجئت بأن مضيفى يستوقفنی

نصف ساعة يحدثني عن الزهور في حماس وعاطفة جياشة ،

تعلو نبراته و تنخفض حتى تصل إلى درجة الهمس الحالم .

ولما لم تسعفه اللغة الإنجليزية .التي أجيدها - اندفع يتحدث باليابانية 

ويغني بأشعار لم أفهمها ولكنيبما يقول ! المستحيل

أن ترى شارع أو ميدان في كل أرجاءاليابان دون وجود الحدائق المزدهرة 

بخمائل الزهور ، و يرجععلماء النفسهذا الشعور الجارف بجمال الأزهار

اليابانيين إلى معاناة الشعب القاسية من ويلات الحرب العالمية

الثانية ، والمعايشة اليومية للبراكين والزلازل ، مما جعل

الناس يعشقون عطاء الأرض ويجدون السلوى في جمالها

الطبيعي .. وليس هناك فيما تنبت الأرض أجمل من

الزهور !

وبنفس القدر ، أحبت المرأة اليابانية الزهور ..

واستخدمتها لغة طيعة في التعبير عن عواطفها : فإذا وضعتها

ان بشكل معين فإنها تقول بغير کلام : جملة شوق أو صرخة

إذا احتجاج أو زفرة ألم أو مناجاة أو عتاب ! وهناك شعب

اسيوي آخر له مع الزهور شؤون وشجون .. هو شعب

الصين الذي يتخذ من زهرة ( الكريز انتم ) رمزا لبلاده !

وللحديث عنه مجال آخر .

لغة الألوان :

وقد اختلفت الآراء والتفسيرات حول ما ترمي إليه ألوان

الزهور ، ولكن هذه التأويلات غالبا ما تخضع للمزاج

الشخصي قبل أن تكون حقائق متفق عليها ؛ فيقولون إن

الزهور المهداة إلى المريض يجب أن تكون ذات ألوان تتراوح




لوحة ديما رسمها عام ۱۸۹۵

بين ( البمبى ) والأزرق الفاتح .. ولكني عندما كنت

بصدد زيارة صديق مريض ، وقصدت محلا شهيرة يعتبر

صاحبه خبيرا في مثل هذه الأمور ، طلبت منه باقة زهور

وأوضحت له الغرض منها ، فقال بلغة الواثق من علمه

وخبرته : خذ الألوان المبهجة وأكثر من الأحمر والأبيض ،

فإن المريض محتاج لمثل هذه الألوان .. وعندئذ عرفت أنها

مسألة تقديرية وليست نصوصا علمية ! ويقولون إن الزهور

الدافئة ( اللون الأحمر ومشتقاته ) تقدم في الأفراح

والمناسبات السعيدة .. ولكني عندما تتاح لي فرصة حضور

مثل هذه المناسبات السارة ، أرى باقات من كل الألوان دون

استثناء .. أما القول بأن الزهور ذات اللونين البنفسجي

والأزرق الغامق ، تقدم في الأحزان .. فأعتقد أن هذين

اللونين الباردین إذا اجتمعا فلا بد وأن يتركا في النف۔

إحساس بالأسى والقتامة والانطواء ، وربما كان مبعث هذا

الاعتقاد هو الواقع الذي يدركه كل فنان يتعامل مع الألوان .

وبغض النظر عن مدلولات الألوان والاجتهادات المتفاوتة في

تفسيرها ، فإن الزهور أقرب إلى القلب والروح والوجدان

و أمتع للعين من أي شيء آخر ، ولعل كثرة ما أثير حولها من

حدیث و أبحاث خير دليل على ما تحمله من مضامين و إيحاءات

معنوية شتی ، يجد كل إنسان فيها بغيته وصدی ،

الانفعالاته ، أيا كانت هذه الانفعالات !

وقد ذهب الطب النفسي إلى أبعد من ذلك ، وأكد أن

الكل إنسان ميوله الخاصة نحو زهرة معينة وعطر بذاته ، مما

يدل على شخصيته وحالته النفسية والاجتماعية والثقافية

ووضعوا تعريفة - حسب اجتهاداتهم - لكل لون من

الألوان :

الأخضر :

يوحي بالراحة والنماء والتطور .

الأحمر :

وهو أكثر الألوان استحسانا عند النساء ، فدلالته القدرة

على الإنجاب ، وتوقد العاطفة

                             الأبيض :

يدل على الطهر والنقاء والصفاء ، والأمل في الشفاء .

البرتقالي :

قرين لرقة المشاعر والأحاسيس .

البنفسجي :

يعبر عن الحزن والألم .

الأزرق :

معناه الانطواء و التقوقع .

أما عند محبي الزهور وهواة الرموز ، فهناك أنواع بعينها

تقول تعبيرات بدون کلام ، فمثلا زهرة شقائق النعمان :

معناها لماذا هجرتنی ؟ وزهرة السوسن : أنت تسلبين

شعوری ، وزهرة القرنفل : لقد خاب فيك ظني ! وزهرة

النرجس أنت أناني ، ، وزهرة الزينيا : إنذار ! احذرى

العواقب !... وكما ذكرنا ، فهذه ليست حقائق علمية ،

ولكنها اجتهادات ربما تدخلت في صياغتها المداعبة أكثر من

أي شيء آخر ! 

قصص بين العلم و الأساطير :



وكثيرا ما نقرأ عن الزهور في علم النبات قصص غريبة

ولكنها حقيقة علمية مؤكدة : الزهور التي تتمتع بحساسية

مرهفة ، ، فتحزن وتفرح وتتفتح وتكتئب و ترحب بفراشة

و تغلق وريقاتها دون فراشة أخرى .. والزهور الفنانة التي

تستمتع بالموسيقي وتبدو أكثر إشراقة و نضارة المعروفة

كلاسيكية ). ما تنمو بشكل مخالف إذا ( استمعت الموسيقي ( الجاز )

 و( الروكآند رول ) وزهرة عباد يتجه قرصها الدائرى دائما

 إلى فرص .. حتى إذا ما غابت و حل الظلام ، تصاب الزهرة

با کتاب و تنكس رأسها إلى الأرض .. ولكن مع إشراقة

الشمس في الصباح مرة أخرى ، تعود الفرحة إلى زهرة عباد

الشمس ، وتتألق ألوانها و ترتسم ابتسامة عريضة هي قرصها

الكبير ! وزهرات أخرى تنكمش في استحياء عذري إذا ما

مست وريقاتها أنامل الإنسان .. إلى آخر هذه الظواهر

الطبيعية الثابتة ! .

أما الأساطير ، فتزخر الكتب بقصصها وحكاياها

المثيرة : فلزهرة ( الكاميليا ) عند الآسيويين منزلة خاصة .

وتقرأ الكثير عن الأساطير المتعلقة بالزهور : فهناك بعض

القبائل في اسيا يثبتون زهرة بعينها تسمى ( إيزى ) في

شعورهم وثيابهم ويعتقدون أنها تشفي المرضى من الجراح

والآلام ، وتبث السعادة في قلوب المحبين ..

- و كليوباترا في لقائها الأول مع أنطونيو ، أمرت بأن

تقطف لها زهرات اللوتس من على ضفاف النيل،

واستخرجت منها عطر نافذا بار که الكهنة ، فأسلم القائد

الروماني قلبه لفاتنة مصر بعد أن سحره العطر الجميل ، ثم

أمرت بأن يصنعوا لها من الزهور بساطة بلغ سمكه (بوصات ) 

لتفرش به القصر تحت أقدام أنطونيو و ليبلغ سحر

الزهور مداه !

. وتتعدد الحكايا .. وتتشعب القصص والأحاديث ،

ولكن الحقيقة ماثلة أمامنا تؤكد لنا - في جمال الزهور -

عظمة الخالق فيما أبدع وصور ، وسبحان الله العظيم !



المرجع - روائع الفن العالمي 








التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

Ra'ed Al-khawaldeh Art

2016