-->
Ra'ed Al-khawaldeh Art Ra'ed Al-khawaldeh Art

شبرد .. فنان أفريقيا المضيئة




كثيرا ما نسمع ونقرأ عن الرحلات الاستكشافية

والسياحية إلى أفريقيا . ولكن قصة « دافيد شبرد ، مع

الغابات والأحراش في هذه القارة الأسطورية المثيرة .. هي

من نوع فريد .. فلم تقتصر على مجرد المخاطرة الفردية في

رحلة سياحية عابرة أو مغامرة بطولية للبحث

والاستكشاف ، ولكنها تتطرق إلى تفاعل عاطفی وتعاطف

و دود ازاء القارة وحيواناتها وطبيعتها الخلابة .

تلك العلاقة الوطيدة بين فنان من ألمع فناني الغرب

المعاصرين وأفريقيا المزدهرة اليانعة ، قد أسفرت عن تسجيل

عناصر الجمال الدفين بين غابات وأدغال هذه القارة

الساحرة ، وأصبحت حيواناتها المفترسة ووحوشها

الضارية ، مادة إبداع في لوحات عالمية تتسابق المتاحف

والمحافل الفنية وجامعو التحف إلى اقتنائها بأغلى الأثمان

ويتألق اسم الفنان البريطاني الأشهر دافيد شبرد كأول

فنان عالمی أوقف حياته وفنه الرفيع على تخليد مكامن الجمال

الأفريقي ممثلا في رسم الحيوانات والمناظر الطبيعية الخلابة

التي تزخر بها غابات أفريقيا ، وكأنها عالم سحري مليء

بكنوز الإثارة والأسرار والجمال الأسطوري الفريد !

بداية صعبة

في طفولته الأولى .. كان دافيد يعكف الساعات الطوال
مشدودا بكل حواسه إلى الكتب والمجلات التي تحكي قصص
الرحالة والمستكشفين في أفريقيا .. و كانت صور الحيوانات
الكاسرة التي تزخر بها الغابات الأفريقية تثير خياله وتلهب مشاعره ، وبخيال الطفل الخصيب يصنع لنفسه عالما خاصا من المغامرات الوهمية في ربوع هذا العالم الغامض .. و لم يجد
وسيلة أو متنفسا لعواطفة الجياشة إلا أقلامه وألوانه .. يعبث
بها على صفحات الأوراق البيضاء ، ليخط رسوما جميلة تعبر
عن الغابات والحيوانات الأفريقية العملاقة التي كثيرا ما يرى
صورها أو يقرأ عنها بشغف كبير ، وشب الفتى ، ووضع نصب عينيه هدفه الكبير ، ألا وهو السفر إلى أفريقيا ليرى على الطبيعة ما لم يستطع أن يحيط به من خلال القراءة أو مشاهدة الصور المطبوعةالتي تفتقرإلى الحياة وفي الثامنة عشرة من عمره - مضحيا بكل مدخراته المالية المحدودة - قطع آلاف الأميال إلى نيروبي
عاصمة كينيا أملا في الحصول على أي عمل في إحدى
شركات الغابات والحدائق ، وكان قد قرأ عن حاجتهم لمن
يشغل مثل هذه الوظائف الصغيرة قبل رحيله من بريطانيا ،
ولكنه لم يوفق في تحقيق هذا الأمل ، وعاد مخذولا إلى
وطنه . . . 

و ساقه حبه الشديد لفن الرسم إلى السعي للالتحاق في
إحدى مدارس الفنون الجميلة ، ولكن إمكانياته المادية
المتعثرة حينذاك حالت دون ذلك ، و لم يجد أمامه إلا أن يعمل
سائقا لاحدى السيارات العامة لنقل الركاب .. ولم ينس
يوما أن ينمي موهبته في فن الرسم متأثرا و مسترشدا بما يقرأ
عنه أو يراه في المتاحف والمعارض .. وكان يحلو له دائما أن
يحكي لأصدقائه سير الفنانين العظام و كيف شقوا طريقهم
الوعر حتى أصبحوا في النهاية ملء سمع العالم وبصره !
فلا غرو أن نرى دافيد وهو يمضي سحابة يومه الشاق في
ممارسة الأعمال المتواضعة ليكسب قوته ، ويقضي ليله البارد
الطويل قابعا وسط أكداس الأوراق والألوان والأقلام يمارس
فنه الجميل !

حب الأفيال

ولم يقف به طموحه عند هذا الحد، فقد صمم على أن
محترف الفن مهما لاق في مسيرته من عثرات ومتاعب ،
وكانت فرصته السانحة في الحركة والتجوال وبصيص من
الأمل لتحقيق أحلامه ، عندما التحق بسلاح البحرية
البريطانية كرسام ، فاستغل تلك الفرصة في إشباع رغباته
الفنية ، و سجل في لوحات ملونة كل ما وقعت عليه عيناه من




الجنود والآليات والمناظر و حياة البحر المثيرة ، ومن يوم إلى
يوم ، ذاعت شهرته ، وأصبحت لوحاته التي تحمل بصماته
المميزة ، تحتل مكانا مرموقا في مكاتب القادة والمتاحف
البحرية وقاعات الوثائق الحربية البريطانية . وفي عام ۱۹۶۰ استطاع أن يكون ضيفا على سلا الطيران في قاعدته الجوية في عدن ، فصمم على أنحلمه القديم بأن يتجه غربا في البحر الأحمر عبر المضيق لیزور أفريقيا وغاباتها و حیواناتها الشهيرة على الطبيعة . واستمر في تجواله حتى وصل إلى كينيا ، واستقر في نيروبي و قد عزم على
أمر في نفسه و كيف لا وقد زود هذه المرة بالنضوج و التجربة
والخبرة وبما يكفيه مؤقتا من المال !
وظل عامين كاملين يرسم الحياة الأفريقية مركزا اهتمامه
في تسجيل الحيوانات على وجه الخصوص ، وشغف إعجابا
بالفيلة العملاقة ، فعكف على دراستها و مراقبتها وتسجيل
حركاتها وسكناتها حتى أصبحت حبه الأول في موطنه
الجديد كانت محصلة هذا العمل المتواصل الذي سعى إليه الفنان بالحب الخالص و الرغبة الصادقة ، مجموعة رائعة من اللوحات الزيتية أقام بها معرضه الأول في أكتوبر عام ۱۹۹۲ في العاصمة البريطانية . كان المعرض حدثا جديدا وفريدا في عين المشاهد البريطاني الذي طالما سمع عن حياة الأدغال الأسطورية فيوسائل الإعلام .

الشخصيات البارزة

وفوجيء دافيد بتهافت الجمهور على اقتناء لوحاته ، فرفع
أثمانها إلى أرقام مبالغ فيها بالنسبة إليه كفنان يقيم أول معرض
في حياته ، ولكن طلبات الشراء - بالرغم من ذلك - أخذت تتوالى على إدارة المعرض ، و بیعت كل المعروضات في ساعات قليلة !
ومنذ افتتاح هذا المعرض ، قرر دافيد شبرد ألا يعود إلى الوراء !

واتخذ قراره الحاسم : لقد نذر نفسه وفنه لأفريقيا
( ولأصدقائه ) من الفيلة وباقي الأسرة الحيوانية في أدغالها
المثيرة ! وحظي الفيل بالمكانة الخاصة في أعمال الفنان ، وأطلق
عليه اسم الدليل الشهير - والذي اقترن باسم دافيد نفسه
- ( جامبو)،  وكلما ذكر اسم جامبو ضمن مستحدثات
الألفاظ الإنجليزية المعاصرة ، قفزت إلى الأذهان قصة
الصداقة الوطيدة بين الفنان والفيل الإفريقي المدلل ! فلا
عجب أن نری معظم لوحات الفنان الكبير وقد احتلت
صورة صديقه جامبو المكان البارز فيها وقد أضفى دافيد عليه
جمالا فنيا يحس ازاءه بالتعاطف والحب والاعزاز .
وبجانب لوحاته عن الفيلة وغيرها من حيوانات الغابة
الإفريقية ، مارس دافيد شبرد بكفاءة واقتدار رسم المناظر
الطبيعية والآليات و الصور الشخصية PORTRAIT وأبدع
فيها أيما إبداع . ومن أبرز أعماله في رسم الشخصيات
البارزة ، صورة الملكة الأم وسمو الشيخ زايد رئيس دولة
الإمارات العربية المتحدة ، و کینیث کواندا رئيس جمهورية
زامبيا والعديد من قادة الحرب والشخصيات البارزة في
بريطانيا .

القاطرات البخارية


ويعرف عن شبرد ولعه الشديد بالقاطرات البخارية أنها مثلت الاهتمام الثاني عند الفنان بعد الفيل الأفريقي الشهير ، وبلغ هذا الاهتهام مداه حتى أنه اشتری من هيئة السكك الحديدية البريطانية قاطرتين بخاريتين ( زنة 140 طن ) من الطراز الفيكتوري الجميل ، بل و تحقق للفنان أكثر ذلك ، فاستطاع بشهرته وإمكانياته المالية
الوفيرة ، أن يشتري محطة كاملة تمتد ثلاثة أميال ، لتتهادی
عليها قاطراته الكلاسيكية الرائعة ، وجعلها مزارا عاما
للجمهور من مختلف أنحاء العالم . وقد سجل العديد من
اللوحات لهذه القاطرات البخارية المنقرضة ، وأضفى عليها
جوا رومانسيا يلهب الخيال ، ويعود بالذكريات إلى عصر
البخار عصر الحب و الهدوء والرخاء !
ولعل حب دافيد وولعه بالفيلة ، تلك الكائنات الداكنة
العملاقة الدائبة الحركة ، هو الذي جعل الفنان شغوفا
بالقاطرات البخارية الرشيقة ، وإذا نظرت إلى إحدى لوحاته
عن قاطرته وهي تشق الغبار مجللة بسحب البخار ينبعث من
حولها ، ستجد تشابها كبيرا بينها وبين الفيل الإفريقي
الضخم وهو يهرع إلى مصادر المياه في هيبة ورهبة محاطا
بنفس ما يحيط بالقاطرة من سحب الغبار أو الأبخرة
المتصاعدة من أكداس الأوراق والحشائش الرطبة المتراكمة
في أحراش الغابة ..
كما أن الآليات قد مارس الفنان رسمها و دراسة تفصيلاتها
عندما كان بسلاح البحرية في فترة نضوجه الأولى ، لذلك
کله ، نجد أن دافيد لم يكن رساما يسجل الصور المرئية
تسجيلا شكليا فحسب ، بل نراه يتفاعل عاطفيا مع
مرئياته ، ويطلق عليها أسماء التدليل وكأنها كائنات بشرية
.تربطه بها أوثق الصلات .

نجومه المفضلة

والملاحظ لأعمال الفنان في الغابة الأفريقية ، يرى جليا
عمق هذه المشاعر في تمجيد الطبيعة والكائنات الحية وكلها
من إبداع الخالق عز وجل ، فلا يملك المشاهد إلا أن يسلم
بعظمة الخالق .. ممثلة في هذا الجمال الطبيعي الذي أخلص
الفنان في تصويره بصدق حواسه ورهافة مشاعره وتفاعله
بحب وإعجاب مع عناصر إلهامه !
تعود إلى اهتمام الفنان الأول .. فنجد أن ( جامبو ) نجمه
المفضل ، يليه التمر في المرتبة الثانية ، ثم تتوالى باقي الحيوانات
حتى نصل إلى آخر أسماء القائمة لنجد الأسد ! ويتعجب
دافيد : كيف يطلق على الأسد « ملك الغابة ، بالرغم من أنه
أكثر الحيوانات كسلا و خمولا وبلادة على الإطلاق ؟!
واستمر الفنان في عطائه الفريد عن أفريقيا ، وطبعت





أعماله على الملايين من البطاقات السياحية والتهنئة والأعياد
والمناسبات . ليراها العالم أجمع ، و از داد اسمه تألقا ، و تسابق
هواة جمع اللوحات و الأثرياء و المتاحف و أصحاب القاعات
الفنية إلى حجز لوحاته حتى قبل أن يشرع في رسمها . كما
تزاحمت دور النشر في عروضها السخية لتحظى بطبع أعماله
في مجلدات فنية أنيقة ، وأرسلت العديد من الحكومات
الأفريقية والمؤسسات العلمية في طلب أعمال الفنان وتكليفه
بإنجاز اللوحات عن أفريقيا. وأصبح دافيد من كبار
أصحاب الملايين ، وقفز ثمن بعض لوحاته إلى أكثر من ربع
مليون جنيه استرليني . وفي عام 1971 اشترى طائرة من
نوع ( الهليوكوبتر ) لتنقلاته الخاصة بين أحراش أفريقيا .
ولقب بأنه أحسن فنان بريطاني يكسب من بيع لوحاته .
كما أنه يعتبر على رأس قائمة الفنانين الذين تطبع أعمالهم
أولا بأول و تنتشر في مختلف أنحاء العالم .

عناصر الثراء الفني

ومما هو جدير بالذكر أن دافيد شبرد بثرائه الواسع
وشهرته المتألقة كفنان جماهيري ، لا يمكن بأية حال من
الأحوال أن يكون هذا الثراء التجاري من أعماله ، سببا في
إنقاص قيمته كفنان مبدع له سمعته ووزنه الفني الرفيع ،
فليس من المستساغ في عالمنا المعاصر أن يظل الفنان قابعا في
صومعته ، ليعمل في انطوائية و تجرد ، وأن يبخلط دمه بألوانه
في صمت رهيب بعيدا عن مجتمعه ، و محروما من أضواء
الشهرة والذيوع حتى يقال عنه إنه فنان لا يعني بالمال .. أو
أنه لم ينزلق إلى الكسب المادي متخذا فيه سلعة يتاجر بها !
أعتقد أن هذا رأي عقيم عفا عليه الزمن !
لذلك ترى أن دافيد شبرد يرد على التساؤلات بشأن ثرائه
الواسع قائلا : « وهل لا بد من حياة البؤس والفاقة لکی
أبرهن على أنني فنان ؟! .
حقيقة ، أن دافيد لم يبتكر مدرسة فنية كمنهاج أكادیمی
خلده في كتب تاريخ الفنون ، و هذا لا يتأتى بالافتعال مهما
بلغ الفنان قمة البراعة و العبقرية ، ولكنها حقبات زمنية
متتالية يترك الفنان خلالها قريحته لکی تجوب آفاق الإبداع ..
بل ربما لكي تنحدر إلى أحط المستويات في نظر مواطنيه ( کا
حدث عندما استحدثت المدارس الفنية التأثيرية أو الوحشية
أو التكعيبية أو التجريدية ثم السيريالية ) ولكن الحكم في
النهاية إلى حركة الإبداع عامة .. وإلى مدى ما يضيفه الفنان
إلى التراث الإنساني من عناصر الثراء الفنى الشكل أو
العقلاني ، وريما - كما هو حادث الآن - من عناصر الغرابة
والخروج عن المألوف مما أسميناه مجازا بالتجديد !
المهم في كل الأحوال هو الإخلاص في البحث والممارسة
دون أن نضع في اعتبارنا ما قد يصل إليه عملنا أو ما قد تتبلور
عنه أبحاثنا الفنية ، وكثيرا ما كانت الصدفة وحدها هي
العامل الأساسي في خلق هياكل فنية وعلمية خالدة .

حماية الحيوان


 وإذا كنا نورد اليوم فنانا كدافيد شبرد حقق من المجد الفني و الثراء المادي ما لم يتحقق لغيره من الكثيرين ممن سبقوه أو عاصروه ، فهو مثل نابض بالحياة للفنان الخلص الذي يتأثر بالحياة والطبيعة وينهل من مواردها الإلهامية ، كما يؤثر في مجتمعه ويضفي عليه لمساته الفنية الواعية .. كما أنه يسعد وجدانيا بعمله وإبداعه ، وفي نفس الوقت يكون مرکز إشعاع و مبعث سعادة للملايين من البشر ! فالانطوائية في مجالات البحث في هذا العصر ( عصر الشموليات وسرعة التأثر والتأثير) لم تعد مثار إسعاد أو محل إفادة حتى
للفنان نفسه ! لأن عناصر السعادة والإسعاد تخطت حدود
الإشباع الخاص إلى عناصر أخرى من أهمها المال و الشهرة
والذيوع . ولعل تلك العناصر هي في حد ذاتها أقوى الدوافع
إلى الإجادة والاستمرار ! و إن كان هذا هو رأي كاتب هذه
السطور ، فلیس - بالقطع - هو الرأي الوحيد !





وفناننا الذي أصبح نجم الفن والإعلام كما أصبح مرجعا
وخبيرا في كل ما يتعلق بغابات أفريقيا و حيواناتها من
أصدقائه .. تراه - كعرفان بالجميل - يهتم بتأسیس
الجمعيات العلمية التي تهدف إلى الحفاظ على الحيوانات
الإفريقية وتعمل على حمايتها من الأخطار والانقراض ،
أن تأمین سلامتها وإسعادها هو أهم أهدافه في
السنوات الأخيرة . وبلغت مساهماته في هذا المجال مئات
الألوف من الجنيهات ، و يفسر دافيد تصرفه هذا بأنه رد
ووفاء لدين في عنقه لأسرة الحيوانات الإفريقية الوادعة ! وأن
ما يفعله من أجلها حاليا هو وفاء ضئيل لعطاء كثير .
ويحدثنا عن هذا العطاء الذي حظي به من رسمه لحيوانات
الغابة الإفريقية فيذكر أنه أقام أحد معارضه عام 1969 في
( جوهانسبرج ) بجنوب أفريقيا ، وكالعادة ، فقد تم حجز
جميع لوحات المعرض مقدما قبل الافتتاح .. ولكن الغريب
في الأمر أن اللوحة الواحدة كان يحجزها أكثر من عشرين شخصا في وقت واحد، ولم يجد الفنان أمامه إلا أن لوحاته بطريق القرعة لسعداء الحظ الذين يفوزون في عملية الاقتراع ، والذين دفعوا برضى وعن طيب خاطر مئات الألوف من الجنيهات ..

التفاعل والوفاء


ولعلنا نتساءل عن العناصر التي جعلت اللوحات دافيد
هذا الصدق الجمالي في الطبيعة الأفريقية تلك التي حولت
لوحاته إلى نافذة مضيئة تطل على الجمال الأفريقي الساحر
إننا نلحظ في أعماله تلك الأصالة الخيرة ، والنظرة
الواقعية المفعمة بالتعاطف والحب والإعجاب ، فنری
الجمال الشكلي متمثلا في صورة بصرية متلألئة ، بجانب
الجمال الفني بعوامله ومقاييسه المحسوبة بدقة وكفاءة
نادرة ، و ازدواج هذين العاملين يقودنا إلى قضية الفن عموما





عندما تتفاعل الأشكال بالمضمون الحسی و ترتبط بالوجدان
و بشفافية البصيرة عند الفنان . وقضية الجمال في حد ذاته عندما يصبح عملا فنيا فهذا موضوع اخر ، وهناك نظرية في ( علم الجمال ) تقول : و ليس كل ما هو جميل يعتبر عملا فنيا ، ولكن كل عمل فنی
جميل ». وقد استطاع دافيد شبرد بأن يصوغ مكامن الجمال
الشكلي في إطار فنی رائع ! تلك هي عوامل نجاح أعماله ،
 بعيدا عن طلاسم النظريات الفنية أو التعبيرات المتخصصة
المبهمة ! ويرجع ذلك إلى حبه - غير المحدود للطبيعة الأفريقية . فطالما رأينا العديد من اللوحات التسجيلية عن أفريقيا لغيره من الفنانين والباحثين والمغامرين ، ولكن الكثير منها لم يترك في النفس أثرا أو ميلا إلى الإعجاب والتأمل ، فكانت أشبه بالمعادلات الحسابية أو النظريات العلمية أو المراجع الوثائقية .. لأنها افتقدت لمسة الحنان ونظرة الحب والشعور بالتعاطف . بينا نرى أن دافيد – وقد تفاعل بأحاسيسه وعواطفه مع الواقع الإفريقي - قد كشف عن
الجمال الذي أدر که وافتتن به كهدف في حد ذاته ، وأصبحت لوحانه وسيلة للتغني بهذه المشاعر النبيلة الفياضة . فلم يذهب إلى أفريقيا بهدف عدواني .. أو بنظرة متعالية مدفوعا بأحقاد بيئية أو عنصرية متسلطة ، لذلك ، ترى أن الفنان يؤدي رسالته المثالية وهي : الإحساس والرغبة والانفعان ، ثم التفاعل والاستيعاب و الاقتناع .. ثم الإيمان والصدق و العطاء ! ذلكم هو دافيد شبرد الذي يمارس اليوم قصة الوفاء الملهمته الجميلة أفريقيا .. ويطلق عليها القارة المضيئة . لعله أن يزيل من الأذهان تلك التسمية المجحفة : القارة المظلمة أو القارة السوداء .. وفي قصره الفسيح ، وبين الخمائل المترامية الزاهرة ، تتخللها الجداول البراقة والبحيرات الناعسة في ربوع الريف البريطاني الوادع ، ينظر الفنان إلى الأفق الجنوبي صوب القارة المضيئة الساحرة ، ثم يقول في صوت خفيض أشبه باهمس أو المناجاة : تبلغ أصدقاءك يا « جامبو ، بأنني أعترف بلكم جميعا على ، وفيما بقي من عمري ، سأرد لكم الجميله .
 





المرجع : روائع الفن العالمي ، جمال قطب 

















التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

Ra'ed Al-khawaldeh Art

2016